الحمد لله رب العالمين ، والعاقية للمتقين ، ولا عدوان إلا على الظالمين ، والصلاه والسلام علىرسوله الأمين ، المبعوث بالكتاب المبين ، الفارق بين الشك واليقين ، وهو الصراط المستقيم ، نور البصائر من عماها ، وشفاء الصدور من أدوائها وجواها ، وحياة القلوب من موتها وفسادها ..
ولما كانت معرفة الشر والفساد سببا لا تقائه والتحزز منه .. ولما كان القلب هو المضغة بصلاحه يصلح سائر الجسد ، وبفساده يفسد سائر الجسد .. كان ولا بد على الأنسان أن يعرف مفسدات القلب ليتقيها ويتحزز منها ..
ومفسدات القلب هي التعلق بغير الله وكثرة الخلطة والتمني والشبع والمنام ..
فهذه الخمسة من أكبر مفسدات القلب .. وأعلم أن القلب يسير إلى الله " عزوجل " والدار الأخره ويكشف عن طريق الحق ونهجه ، وآفات النفس والعمل، وقطاع الطريق بنوره وحياته وقوته ، وصحته وعزمه وسلامه سمعه وبصره ، وغيبة الشواغل والقواطع عنه ..
وهذه الخمسة تطفئ نوره ، وتعور عين بصيرته ، وتثقل سمعه – إن لم تصمه وتبكمه – وتضعف قواه كلها ، وتوهن صحته وتفتر عزيمته، وتوقف همته ، وتنكسه إلى ورائه .
ومن لا شعور له بهذا فميت القلب وما لجرح بميت إيلام .. فهي عائقة له عن نيل كماله ، قاطعة له عن الوصول إلى ما خلق وجعل نعيمه وسعادته وابتهاجه ولذته في الوصول إليه ..
فإنه لا نعيم له ولا لذة ولا ابتهاج ولا كمال إلا بمعرفة الله ومحبته والطمأنينة بذكره، والفرح والابتهاج بقربه والشوق إلى لقائه فهذا جنته العاجلة .
كما أنه لا نعيم له في الآخرة ولا فوز إلا بجواره في دار النعيم في الجنه الآجله..فله جنتان .
لا يدخل الثانية – منهما – إن لم يدخل الأولى .
وسمعت شيخ الأسلام ابن تيمية – قدس الله روحه – يقول : إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخر
وهذه الأشياء الخمسة : قاطعه عن هذا حائلة بين القلب وبينه ، عاتقة عن سيرة، محدثة له أمراضاً وعللاً إن لم يتداركها المريض خيف عليه منها.
المفسد الأول من مفسدات القلب .... التعلق بغير الله – تبارك وتعالى –
وهذا أعظم مفسداته على الإطلاق .. فليس عليه أضر من ذلك ، ولا أقطع له عن مصالحه وسعادته منه ، فإنه إذا تعلق بغير الله ، وكله الله إلى ما تعلق به ، وخذله من جهة ما تعلق به ، وفاته تحصيل مقصوده من الله – عزوجل – بتعلقه بغيره والتفاته إلى سواه فلا على نصيبه من الله حصل ، ولا إلى ما أمله ممن تعلق به وصل ، قال الله تعالى " واتخذوا من دون الله ءالهة ليكونوا لهم عزا (81) كلا سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضدا (82) "مريم "..
فأعظم الناس خذلانا من تعلق بغير الله ، فإن ما فاته من مصالحه وسعادته وفلاحه أعظم مما حصل له ممن تعلق به وهو معرض للزوال والفوات .
ومثل المتعلق بغير الله كمثل المستظل من الحر والبرد ببيت العنكبوت ...
وبالجملة : فاساس الشرك وقاعدته التي بني عليها : التعلق بغير الله . ولصاحبه الذم والخذلان ، كما قال تعالى " لا تجعل مع اله إلها ءاخر فتقعد مذموما مخذولا " الاسراء . مذموما لا حامد لك ، مخذولا لا ناصر لك ..
المفسد الثاني من مفسدات القلب ... خلطة الناس
أا ما تورثه كثرة الخلطة : فامتلاء القلب من دخان أنفاس بني آدم حتى يسود ويوجب له تشتتا وتفرقا ، وهماً ، وغما ، وضعفاً ، وحملاً لما يعجز عن حمله من مؤنة قرناء السوء واضاعة مصالحه والاشتغال نها بهم وبأمورهم وتقسم فكره في أودية مطالبهم وإراداتهم ..
فماذا يبقى منه لله والدار الآخره ؟!!
هذا وكم جلبت خلطة الناس من نقمة ودفعت من نعمه وأنزلت من محنة وعطلت من منحة وأحلت من رزية ، وأوقعت في بلية !! وهل أفة الناس إلا الناس ؟! وهل علي أبي طالب – عند الوفاة – أضر من قرناء السوء ؟!! لم يزالوا به حتى حالو بينه وبين كلمة واحدة توجب له سعادة الأبد..
وهذه الخلطة التي تكون على نوع مودة في الدنيا وقضاء وطر بعضهم من بعض تنقلب إذا حقت الحقائق عدواة وبعض المخلط عليها يديه ندما كما قال تعالى " ويوم يعض الظالم يديه يقول يليتني اتخذت مع الرسول سبيلا (27) يويلتي ليتنى لم أتخذ فلانا خليلا (28) لقد أضلنى عن الذكر بعد جاءنى وكان الشيطن للإنسن خذولا (29)
الفرقان ...
والضابط النافع في أمر الخلطة أن يخالط الناس في الخير ، كالجمعه والجماعه ، و الأعياد والحج ، وتعلم العلم ، والجهاد والنصيحة ويعتزلهم في الضر وفضول المباحات
المفسد الثالث من مفسدات القلب ... التمني ..
ركوبه بحر التمني وهو بحر لا ساحل له وهو البحر الذي يركبه مفاليس العالم كما قيل إن المنى رأس أموال المفاليس .. وبضاعة ركابه مواعيد الشيطان وخيالات المحال والبهتان . فلا تزال أمواج الأماني الكاذبة والخيالات الباطلة تتلاعب براكبه ..
وكل بحسب حاله من متمن للقدرة والسلطان ، أو للضرب في الأرض والتطواف في البلدان أو للأموال والأثمان فيمثل هذا التمني صورة مطلوبه في نفسه وقد فاز بوصولها والتذ بالظفر بها .. وصاحب الهمة العلية أمانية حائمة حول العلم والإيمان ، والعمل الذي يقربه إلى الله ويدنية من جواره .
فأماني هذا إيمان ونور وحكمة ...
فأماني أولئك خدع وغرور ...
وقد مدح النبي " صلى الله عليه وسلم " متمني الخير وربما جعل أجره في بعض الأشياء كأجر فاعله ، كالقائل : لو أن لي مالاً لعلمت بعمل فلان الذي يتقي في ماله ربه ، ويصل فيه رحمه ، ويخرج منه حقه . وقال " هما في الأجر سواءُ " ..
وتمنى صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع أنه لو كان تمتع وحل ولم يسق الهدي وكان قد قرن فاعطاه الله ثواب القران بفعله وثواب التمتع الذي تمناه بأمنيته فجمع له بين الأجرين ..
المفسد الرابع من مفسدات القلب ... الطعام
والمفسد له من ذلك نوعان ..
احداهما .. ما يفسده لعينه وذاته كالمحرمات ، وهي نوعان : محرمات لحق الله كالميته والدم ولحم الخنزير وذي الناب من السباع والمخلب من الطير ..
ومحرمات لحق العباد كالمسروق والمغصوب والمنهوب وما أخذ بغير رضى صاحبه إما قهرا وأما حياء وتذمما.
والثاني .. مايفسده بقدره وتعدي حده كالإسراف في الحلال ، والشبع المفرط ، فإنه يثقله عن الطاعات ويشغله بمزاولة مؤنة البطنه ومحاولتها حتى يظفر بها فإذا ظفر بها فإذا ظفر بها شغله بمزاولة تصرفها ووقاية ضررها والتأذي بثقلها وقوى عليه مواد الشهوة وطرق مجاري الشيطان ووسعها فإنه يجري من بني آدم مجرى الدم .
فالصوم يضيق مجارية ويسد عليه طرقه والشبع يطرقها ويوسعها ومن أكل كثيراً شرب كثيراً فنام كثيراً فخسر كثيراً .. وفي الحديث المشهور " ما ملأ آدمي وعاء شراً من بطنه بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه ، فأن كان لابد فاعلاً فثلث لطعامه ، وثلث لشرابه وثلث لنفسه " رواه أحمد
المفسد الخامس من مفسدات القلب ... كثرة النوم ..
فإنه يميت القلب ويثقل البدن ويضيع الوقت ويورث كثرة الغفلة والكسل.. ومنه المكروه جدا ومنه الضار غير النافع للبدن ..
وأنفع النوم : ما كان عند شدة الجاجة إليه ونوم أول الليل أحمد وأنفع من آخره ، ونوم وسط النهار أنفع من طرفيه، وكلما رب النوم من الطرفين قل نفعه ، وكثرة ضرره ولا سيما نوم العصر والنوم أول النهار إلا لسهران.
فأعدل النوم وأنفعه نوم نصف الليل الأول وسدسه الأخير ومقدار ثمان ساعات .. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرهه فهو مكروه شرعا وطبعا